كتب ذات صلة

الهيبز

الجسد الموسيقى والمعرفة المضادة يبحث الهيبيز على الدوام عن التحرر من السياقات المعدة سلفاً، أبتداء من المنزل والجامعة والعمل والعلاقات الاجتماعية، لايجاد الذات الضائعة في طاحونة أنظمة اتصفت بعدم الرحمة فيما يخص البشر وهواجسهم الحياتية

اطلب الان

الهيبيز لجمال حيدر

الهيبيز لجمال حيدر
مقطع من الكتاب
شكلت المقاهي ونوادي الجاز في نهاية الخمسينات، المساحة الأهم لأولى تجمعات الهيبيز بغرض تبادل الآراء إزاء ما يجري على صعيد أمريكا وفي العالم أجمع، خلال العقود الثلاثة الماضية٬ انطلاقاً من موقفهم الرافض للعادات والتقاليد وأنماط الحياة السائدة في المجتمع، محاولين ابتداع نمطهم المغاير لما هو معروف. وينتمي معظم الهيبيز إلى الطبقة المتوسطة البيضاء، وهي الأكثر تأثيراً في حركية المجتمع. هجروا الحياة الأسرية لينضموا إلى تجمعات شبابية، في محاولة للبحث عن الذات.

سعى الهيبيز صوب عالم قائم على السلام وإدانة كل ما يعيق الإنسانية بمفهومها العام، مؤكدين على أهمية التعبير عن المشاعر بصدق، رافعين شعارهم الأثير "مارس الحب وليس الحرب" مستندين إلى مبدأ "قوة الزهور" باعتباره الأكثر مضياً أمام كل أنواع الاسلحة.

عاشوا في مجموعات صغيرة في ظل تقاسم كامل للممتلكات، ورفض الكثير منهم الارتباط بعمل، وتنقلوا من مكان إلى آخر، وعاش بعضهم في الشوارع أو في المخيمات والمتنزهات والميادين العامة.

استخدمت الشريحة الأوسع من الهيبيز المارايغونا وأقراص LSD وغيرهما من المخدرات٬ وشكلت تجاربهم معها الكثير من أفكارهم ورؤاهم، وبلغ عدد المتعاطين للمخدرات ما يقرب من 8 مليون، بدعم من الباحث "تيموثي ليري" الذي كان يبشر بالخلاص عن طريق استخدام المخدرات الخفيفة.

تركوا شعورهم طويلة، ومشوا حفاة أو بالصنادل، وارتدوا الملابس الغجرية الملونة التي أطلق عليها تسمية "تاي داي" ورفعوا علامة السلام، وتنقلوا بين المدن الأمريكية، وبعض المدن الأوروبية، في مركباتهم المشتركة أو على درجات نارية.
وشكلت الموسيقى أحد أهم أعمدة حياتهم، لتغدو الفرق الموسيقية بمثابة الناطق الرسمي باسمهم، وابتداء من "البيتلز" البريطانية، مروراً بجون بايز وفريق جفرسون وغريتفلد ديد وذا دورز وفلفيت، وبوب ديلان.

وتستند القيم الهيبية إلى عاملين أساسين، هما: القيادة والجمهور، فمن السهولة حقاً معرفة ديناميكية هذين العاملين في ظل الحياة المشتركة لتجمعات الهيبيز. وحدد عدد من رواد الثقافة والفلسفة والكتّاب والموسيقيين ونشطاء المجتمع المدني والسياسيين من الهيبيز، مفهوم القيادة في حيز مهم من الحرية الفردية. ورغم سطوة شهرة القادة وتأثيرهم الفعلي، إلا أن الشباب الذين شكلوا أساس قيم الهيبيز، كانوا مجموعة منغمسة في فعاليات متعددة، اختصروا وجودهم وتأثيرهم في مساحة من بساطة العيش والتحرر الذاتي.
ويمكن معرفة الخيارات التي تبناها الهيبيز في تفاصيل حياتهم، خصوصاً ما يتعلق بنمط الحياة الذي اصبح سمة واضحة لهويتهم التي تستند إلى الثلاثي الأكثر أهمية بالنسبة لهم والذي شكّل مسارهم للحصول على اللذة: الموسيقى، الجنس، والمخدرات، إضافة إلى الانغماس في حركات الرأي العام التي ظهرت على سطح الحياة السياسية في تلك الفترة الزمنية.

الثورة التحررية

النقطة المركزية في فلسفة الهيبيز تكمن في جوهر الحرية الفردية، واشار "تيموثي ميللر" في كتابه "الهيبيز والمعايير الأمريكية" إلى أن فكرة الهيبيز تتمحور حول فكرة "إذا شعرت بقيمة الأشياء، جربها، طالما لم تسبب ضرراً لأحد" وهذا يعني أن فلسفتهم تستند إلى عنصرين مهمين، وهما: الأول، أن تعيش الملذات، والآخر، ليس للمجتمع النموذجي أي قواعد تحكم السلوك العام. وبمعنى آخر أعتقد الهيبيز أن ممارسة الأشياء التي تثير اللذة طالما لم تسبب أذى لأحد فأنه بإمكان أي شخص ممارستها.
كانت فلسفة الهيبيز العامة، ضمنياً، مقبولة، وحددت الطريقة التي عاشوا بها ومارسوا تفاصيلها اليومية، إذ بحثوا عن اللذة وشجعوا الآخرين على ممارستها، وثاروا ضد الميثاق الاجتماعي المتعارف عليه، والأعراف التي روا فيها كبحاً لرغباتهم.

ولمعرفة الأسباب الكامنة وراء لهاث الهيبيز للحصول على الملذات، من الضروري فهم القيم التي استندوا إليها، إذ التقت عوامل ثقافية واجتماعية في الأربعينات والخمسينات لتشكيل ما عرف به "الاجماع الثقافي" الذي بلور مسار الحرية الذاتية٬ وامتد منذ نهاية الخمسينات ولغاية منتصف السبعينات من القرن الماضي. وبعيداً عن حقيقة المناخات التي تحيط بهم، والكمد الحياتي الذي كان يحاصرهم، شعر الهيبيز بأن القيم المحافظة والمادية تسيطر بقوة على المجتمع، لذا بلور جيل "البيت" الموجة الأولى المضادة ثقافياً، بعدما وضعوا الحرب في فيتنام وسياسة التسلح والفوارق الطبقية والعرقية، وانعدام التناغم الاجتماعي، على منصة النقد، ليعثر الهيبيز على أبطالهم، ويسيروا على نهجهم، في استجواب الثقافة والقيم الأمريكيتين، إذ شخصوا السياسة الأمريكية ونتائجها، بأنها عبارة عن آفات اجتماعية في غاية الخطورة، ليتمردوا بشكل لافت ضدها، وفي مواجهة المعايير السائدة.

تلونت انتفاضة الهيبيز بأشكال متعددة، غير أن النموذج الرئيسي تمثل بمحاربة مؤسسات النظام وتأكيد الفردية وممارسة الحرية إلى مداها الأقصى. وتركز الاهتمام على الرفض المباشر للإجماع الذي سنته القيم والأعراف، ووضع اللذة كأولوية في الحياة، مؤكدين في الوقت ذاته على "إيغو" عالية النبرة وأعلنوا بشجاعة بأنهم سيحيون وفقاً لمعاييرهم، حتى وإن رفض المجتمع، باعتبار أن هذه الممارسات لا يحدها قانون أو أعراف، سوى القيم المتعارف عليها.

ومن وجهة نظر فلسفية، فأن الهيبية أكدت على حقوق الفردية والحريات، بعيداً عن أي اطار عقائدي أو فكري، باعتبار أن الهيبيز هم بالأساس فوضويون، واعتمدوا على رفض ما هو سائد، دون إيجاد بدائل عملية.

ومن الدقة الافتراض أن أغلب الهيبيز اعتبروا أنفسهم جزءاً من الحركة الاجتماعية التي ساهمت في تأجيج روح الثورة ضد كل ما يسيء للإنسان وحريته. بالمقابل بدت تلك الفلسفة للبعض بأنها طفولية، حيث تم تسميتهم "أبناء الزهور". غير أن الهيبيز نظروا إلى أنفسهم بشكل جدي، مستخدمين الكثير من المفردات والعبارات التي تعبر عن نضج عقلي وفكري.

يمكن وصف حياة الهيبيز وسلوكهم بأنها انتفاضة شبابية، موسومة بتحدي المعايير الاجتماعية والقيم السياسية، مؤكدين على الانجاز الذاتي، وقبول التعددية كنموذج لمجتمع أكثر عدالة.. وأوسع تحرراً وأعمق لذة.
ومنذ عام1965 شهدت قيم الهيبيز تطوراً ملحوظاً، خاصة بعد الزخم الذي حظيت به إثر الندوات التي نظمها جيل "البيت" إلى جانب عدد من الحفلات الموسيقية، لتغدو مدينة سان فرانسيسكو المقصد الأهم لحشود الهيبيز. وفي مدينة "هايت ـ أشبري" التي أطلق عليها الهيبيز اختصاراً اسم "أشبري" شيد السكان الجدد حانات وفنادق رخيصة لتغدو الأكثر شهرة، خاصة بعد انتقال عدد من النجوم إليها مثل جانيس جوبلن وفريق "غريتفليد ديد" لتتحول المنازل بعد حين إلى صالات ومسارح وغاليريهات.
وإلى جانب سان فرانسيسكو شيد الهيبيز مدناً وتجمعات في "غرينيتش فليج" في نيويورك، وأخرى في فيرجينيا ونيفادا.. وأماكن أخرى.

في الوقت ذاته كانت مجموعة كيسي ويطلق عليها تسمية "ميري برانكستر" بدأت بتجارب تعاطي أقراص LSD على الجمهور في الحفلات الموسيقية وتجمعات الهيبيز، في محاولة لاختبار النشوة الروحية والنشاط العقلي على المتعاطين. وجرى الاختبار الأول في تشرين الأول (نوفمبر)عام 1965 وأعقبه اختبار أخر بعد أقل من شهر. وشكلت الحفلات الكبرى التي اقامها كيسي منذ عام 1966 في مهرجان "تربس" والتي حضرها المئات من الهيبيز، اختباراً لتعاطي العقار، بالمقابل دفعت لإقامة الحفلات الكبيرة والحاشدة في الحدائق والميادين العامة.

وتوازياً مع تلك الحفلات والاختبارات، قررت مجموعة من الهيبيز تشكيل ثورة ثقافية تعمل على تبلور وعي ثقافي يمثل بوصلة فكرية بالنسبة لهم، لتنبثق مجموعة تحت اسم "ديكرز" وكان أغلب أعضائها من مجموعة "فرانسيسكو مايم غروب" المسرحية التي نحت بإتجاه فعاليات سياسية مشاكسة، تهدف إلى توعية الهيبيز بإنتفاضتهم وتحريضهم على إيجاد الحلول البديلة لإزمات الحياة.

تجنبت مجموعة "ديكرز" في فعالياتها النماذج التقليدية للأخلاق والقيم الاجتماعية، وعززت رأيها بأن العمل المشترك لتجمع "أشبري" سينتج لا محالة مجتمعاً خال من الاستهلاكية، حيث يمنح الطعام والسلع الأساسية الأخرى مجاناً مقابل تقديم خدمات، ولاجل تعزيز هذا التوجه، منحت المجموعة الطعام المجاني للهيبيز في منتزه "غولدن غيت" والذي عرف لاحقاً على مدى مساحة زمنية طويلة، بتقديم الطعام والسلع الحياتية مجاناً، التي كانوا يسرقونها من المتاجر الكبيرة، إذ أصرت المجموعة على مواجهة الشرطة بغرض تحقيق أهدافها...اطلب الكتاب إذا أردت أن تعرف المزيد