انقطع كلياً عمن حوله. لمن يراه يبدو ساكناً بين مخبئه وشجرة الرمان كأنه يصغي لشيء ما ولا يسمعه، مع ذلك يصغي لطنين في الفراغ. ما عاد يسأل علاء عما شاهده في المدينة. وحين يتطوع علاء ويحكي مشاهداته “الناس في السوق مثل مشيعين في جنازة... المقاهي خالية حتى في النهار... يتسللون... يكتبون على الجدران اسمك بخط أحمر... قتلوا عشرين...” تأتيه الصور متكسرة وموجعة. بعد الجمل الأولى يشرد ذهنه إلى عتمة بلا صور. حين يذهب للعائلة يبقى صامتاً رغم أن الوجوه حوله تستجديه الحديث. حين يصمت تصمت العائلة كلها. لا أحد يدري عن أي موضوع يتكلم، وكل موضوع يحيل لمحنته الراهنة “أنت قتيل لا محالة”. تتعثر لغة الحديث قبل أن تنطق وتصبح الكلمات موجعة. في هذا الصمت المتوتر يزداد صمته حدّ الجفاف. حتى الأطفال انقطعوا عن قراءة النشيد استجابة لأوامر الأم. ينظر للتلفزيون من دون أن يرى شيئاً ويفرك يديه أو يقلب المسبحة كمن يعاقب نفسه. “الرجل ميت لا محالة إذا لم يقتله قناص أمريكي” يقول نيابة عنهم ثم يدور بين وجوههم لتستقر نظرته على قيس شقيق علاء. لم يأمنه منذ البداية. حقاً إنه لم يطلب، لكنه لم يحصل منه على ثمن للوفاء “ما دام ميتاً في كل حال، لم لا أسلمه وآخذ المكافأة؟” آنذاك يصغي لطنين عميق، يقترب ويتعالى فيتيه... أهو طنين الحوّامة أم هو وسواس الجنون داخله؟ يغادر العائلة مع غمامة من دون معنى ليقترب من حفرته.