مقدمة بقلم را بيج
مدير دار كوما بريس
يقولون أنّ أفضل أنواع الخيال العلمي، هو ذاك الذي يحدثنا عن المضمون الذي كتب في سياقه أكثر من المستقبل الذي يحاول التنبؤ به. يقدم المستقبل للكتّاب لوحة بيضاء تمكنهم من نقل همومهم، بطرق جديدة وتجريدية. ولكن الهموم نفسها ما زالت تلامس وتحاكي "زمنهم".
كانت هذه هي الفكرة خلف العراق+100: تقديم مساحة للكتّاب لعرض مشاكل الحاضر، والتي كان الكثير منها نتائج مباشرة للاحتلال في العام 2003، بطريقة حرة ووقحة، من خلال الحكايات الرمزية للمستقبل، أو عبر العدسات الطويلة للخيال التأملي. كما كانت أيضاً دعوة لبناء نظرة إيجابية عن مستقبل العراق، قصص عن الأمل والتخمينات حول ماهية الواقع بعد فترة طويلة من السلام والإرادة الفردية.
لدى ابتداعنا حسن وأنا لهذه المهمة في أواخر العام 2013، كانت قد مرت الذكرى العاشرة لاحتلال العراق. وتساءلنا إذا كان الرعب ومستوى تلك الفظاعة – على الأقل في بريطانيا – قد وضب بعناية وأرسل إلى أرشيف جرائم هذه الدولة الطويل والعالي السرية بعيداً عن الضمير البريطاني. أردنا وضع كتاب يبقي على عواقب 2003 في صدارة عقل القارئ، أن نقدم له الحقيقة من جديد، وبطريقة ما، حتى لو عنى ذلك إلباسها ثوب خيال علمي جديد وبراق. أردنا أيضاً دعوة كتاب عراقيين إلى الفضاء الذي ابتدعه نجاح حسن بلاسم الأدبي، حيث فجأة، أضحت هناك شهوة حقيقية لتناول أدب عراقي جديد.
انفتح الباب في أواخر العام 2013، وانهالت علينا القصص من كل أنحاء العالم، من كتاب عراقيين داخل العراق، ومن كتاب الشتات الموجودين في أصقاع العالم المختلفة، حيث أن العديد منهم أظهر قدرة سريالية وفانتازيا يقدر على تمييزها جميع قراء حسن (ثلاثة من القصص كتبت بالإنجليزية، اخترتها أنا، وعليه تشاركنا واجب التحرير).
ثمّ، تغير كل شيء في حزيران 2014، وقعت الموصل في يد داعش، وألقت حرب جديدة بظلالها على البلد. العواقب الوخيمة لاحتلال 2003، عادت فجأة وبشكل مأساوي لتحتل الصدارة في عقول الناس. لا أحد يحتاج إلى تذكير. وفوق كل هذا، أصبح وجود العراق، ككيان سيادي متميز موضع تساؤل.
جُمع عدد كبير من القصص المكتوبة هنا قبل وقوع الاحتلال الثاني، وسيشعر بعض القراء أن هذا يضعهم بشكل أوتوماتيكي خارج الأحداث المتصاعدة على الأرض. إن واقع العراق المباشر أصبح أكثر رعباً، وصعبَ التنبؤ به بطريقة لا يمكن لأي أدب تصورها، حتى ذلك المتعلق بالمستقبل البعيد. لكن حسن وأنا نقف داعمين لكل هذه القصص – سواء كتبت قبل أو بعد حزيران 2014 – لأنها تقدم لمحة لعراق مختلف بصدق، عراق يجعل من الطموحات الأساسية لعاصمة هذا البلد، التي أسسها الخليفة المنصور كمدينة للسلام، قابلة للتحقق. عراق يمكّن الطموحات العلمية العظيمة لهذه المدينة المدورة، ولبيت حكمتها، من أن تبصر النور يوماً ما.
مقطع من قصة كهرمانة للكاتبة العراقية التي تكتب باللغة الانكليزية عنود ANOUD
كهرمانة
في يوم عرسها قلعت كهرمانة العين اليمنى لعريسها المُله حشيش وهربت إلى الملحقية الأمريكية في السليمانية.
ولكن لم يتفطن بعد إعلام ولاية وادي حشيش الإسلامية لهروب كهرمانة، حيث أن الولاية تعتبر كل وسائل الاعلام ما عدا الصحف المطبوعة على ورق باستخدام الحبر والقوالب المعدنية الأثرية نوعاً من الكفر. هذا في عصر انتقل فيه العالم الخارجي إلى استخدام الصور الهولوغرافية لتجاوز صعوبة استمرار صيانة حزم الأسلاك الضوئية عبر ساحات الحرب البحرية. على العموم لم يكن سكان وادي حشيش على عجلة من أمرهم.
ظهر هذا الخبر على الصفحة الاولى من جريدة "أخبار الإمارة" في حين كانت كهرمانة قد انسلت من آخر نقطة سيطرة على حدود وادي حشيش.
حلّ علينا يوم الاحتفال المنتظر السعيد. الله اكبر! اليوم ترتدي إمارة وادي حشيش حلة أفراحها. وتتزين ناصية كل شارع بأشرطة الإمارة السود والخضر. ويمدّ جند الإمارة بأمر من سيف الله الأسد المقدام الأمير ملّه حشيش – جازاه الله بوفرة – موائد عملاقة من القوزي والباجة على كل شارع لإطعام الفقراء يدفعه كرمه وحنانه لكي تحتفل معه الجموع بيوم عرسه، على أجمل حرمة في الإمارة (وذلك حسب قول أخواتنا طبعاً لأن الأمير – جازاه الله بوفرة – لم تطأ عينه قط على حرمة من قبل)، الحرمة كهرمانة بذات عينها ذات العيون الزرق. سيكون العرس أمام مبنى البلدية مساء غد بعد صلات المغرب. والحضور إجباري.
"أكل خرة" صاح المقدم عبدالهادي ورمى الجريدة جانباً ثم أخذ يفرك حبر الجريدة من على أصابعه. كانت قوات تحالف الناتو في بغدادستان من أكبر مستهلكي جريدة أخبار الإمارة حيث لم يكن لديهم أدنى فكرة عما يجري داخل حدود وادي حشيش في الشمال. لذا ينهمك محللو بغدادستان بتحليل كل كلمة تصدر من تلك المطبعة العتيقة في وادي حشيش لأنها الطريقة الوحيدة لمعرفة ما يجري داخل رأس المُلّه حشيش الذي لا يستخدم العالم الافتراضي على الانترنيت بتاتاً....اطلب الكتاب إذا أردت أن تعرف المزيد