يانيس ريتسوس

في بيت صلب الجدران، ما زال شامخاً عند تخوم البرج العظيم الذي بناه البندقيون هناك مثل سور يرتفع عالياً ليحمي البلدة المتخمة بالأساطير والحكايات من غضب البحر، ولد ريتسوس في مونمفاسيا الراقدة في جنوب شرقي جزيرة بولوبونيز: «تلك الصخرة الكبيرة كأنها قبضة يد تمتد شاقولياً في البحر. مونمفاسيا التي هي في كل أشعاري (...) كل شيء عندي مونمفاسيا». كانت طفولته تلهث إلی الخراب المترامي الذي يخيّم علی عائلته المنذورة للأهوال الغريبة. الأب، أحد كبار ملاك الأراضي في فترة يونانية شبه إقطاعية، يدمن القمار، فيفقد أراضيه ويخيم المرض علی الأعوام التالية. قدم ريتسوس إلی أثينا سنة 1925 لإكمال دراسته. فتى في السادسة عشرة، مثقلٌ بحاضر قاسٍ. إنها الأزمنة العصيبة: دمار آسيا الصغری وتدفق ملايين اللاجئين ليشكلوا حزاماً من البؤس والفقر يطوق العاصمة. عاش ريتسوس ألوان القهر والمذلة والاستغلال في مدينة لا ترحم. وفي شتاء 1929، يتلقی الضربة الاولى. يدركه مرض السلّ الذي اختطف شقيقه ووالدته، ويظل فترة طويلة من رواد المصحات. عتمة حالكة تلف أعوام الصبا، وقائمة من الانكسارات الذاتية، غير أن الشعر يأتي كفعل للخلاص، وتوازن دقيق يقيم جداره أمام زحف اليأس. بعد أيام من صدور مجموعة «أغنية أختي» سنة 1937، كتب كوستيس بالاماس، أحد أهم أعمدة الشعر اليوناني الحديث، اعترافاً بالارتجافة الجديدة التي مسّت الشعر اليوناني: «نتنحى جانباً، كي تمر أنت، أيها الشاعر». أعوام الرعب تزحف إلى مفاصل الحياة اليونانية: الاحتلال الألماني، مجاعة شتاء 41 ــ 1942. أمضی ريتسوس تلك الأعوام محطماً تحت وطأة المرض، مقيماً في غرفة تحت الأرض في حي شعبي في أثينا. يتعرض للاعتقال، ويساق إلى معسكرات الاحتجاز في مسلسل طويل من الرعب والتعذيب. في 1956، ينال الاعتراف بحصول مجموعته «سوناتا ضوء القمر» على الجائزة الهيلينية الوطنية الكبری. وفي العام التالي، تنشر ترجمتها الفرنسية في مجلة «الاَداب الفرنسية»، مع تقديمٍ حماسي من أراغون (عدد 28 فبراير ــ 6 مارس 1957): «إنه من بين أكبر شعراء هذا العصر وأكثرهم تفرّداً. مضی زمن طويل لم يهزني فيه شيء كما هزني هذا الشعر الصادم بعبقريته... من أين يجيء هذا الإحساس بالرعشة في الشعر؟ حيث الأشياء ذاتها تؤدي دور الأشباح. في هذا الشعر، ثمة صدى يونان ليست هي بيونان بايرون ودولاكروا، وإنما هي يونان الشقيقة التوأم لصقلية بيرانديللو وغريكو، حيث الجمال ليس هو جمال الرخام المشوّه أبداً، وإنما هو جمال الإنسانية الممزقة وانحطاط عصر».

كتب يانيس ريتسوس


الصيف الأخير

يانيس ريتسوس