اتخذت فلسفة هلفسيوس شكلاً واضحاً ومعلوماً وسط الفلسفات والتطبيقات. فقد عاش، وخبر عصره، وكتب في إطار ذلك العصر. فأسهم في المعركة الحاسمة التي اشتعل أوارها، وامتد لهيبها في القرن الثامن عشر: معركة إحلال مجتمع أكثر ديمقراطية محل النظام الإقطاعي الاستبدادي. لكن المواقف الإقطاعية، في السياسة والأخلاق والدين والتربية والفلسفة بقيت حيّة في عقول الناس مدة طويلة، حتى بعد أن فقدت “النبالة” و“الإكليركية” كل حيوية اقتصادية حقيقية، وبعد أن أهمل التاريخ كل حنين وشوق لأمجاد العصور الوسطى.

ولد كلود هلفسيوس سنة 1715 ، وهي جديرة بالذكر لأسباب عديدة منها: ففي تلك السنة توفي الملك لويس الرابع عشر، وربما كانت وفاته خير هدية قدمت لفرنسا لأنها سبقت مصير الملكية المطلقة المحتوم، وتنبأت به قبل أن يسدل الستار على القرن. وتشير السنة كذلك إلى نهاية أول مرحلة لفلسفة شهيرة مرت بفرنسا؛ “مرحلة الفلسفة الإلحادية” التي طغت على ميتافيزيقية القرن السابع عشر. وفي السنة نفسها توفي الفيلسوف مالبرانش الذي يعتبر من أكبر دعاة الفكر “الكارتي” وتوفي كذلك عدد من الفلاسفة الآخرين، وظهر رجال جدد، وانبثقت فكرة جديدة، وبرزت مشاكل جديدة، فاشتغلت بالفكر الفرنسي.